أهميّةُ العلاقاتِ الاجتماعيّةِ في زمنِ الأزماتِ: بناءُ الذاتِ ومواجهةُ الصعابِ
تُعَدُّ العلاقاتُ الاجتماعيّةُ مِن أُسُسِ البناءِ الإنسانيِّ التي لا غِنى عنها، فهي رُكنٌ ركينٌ في استقرارِ النّفسِ، وتَوازُنِ الذاتِ، وتَماسُكِ المجتمعاتِ، خاصّةً في أوقاتِ الأزماتِ وتَقلُّباتِ الزمانِ. وإذا تأمّلنا الزمانَ الذي نعيشُه، بما فيه مِن تحدّياتٍ فكريّةٍ، واقتصاديّةٍ، ونفسيّةٍ، أدركْنا أنّ الإنسانَ أحوجُ ما يكونُ إلى صِلاتٍ إنسانيّةٍ متينةٍ تُثبّتُه، وتُعينُه، وتَشُدُّ أزرَه.
أوّلًا: تثبيتُ الذّاتِ الإنسانيّةِ
العلاقاتُ الاجتماعيّةُ تُساهِمُ في تثبيتِ الهُويّةِ الإنسانيّةِ، فهي تُشعِرُ الإنسانَ بانتمائِه، وتُخفّفُ مِن شعورِه بالغُربةِ في عالمٍ يتّجهُ أكثرَ نحو الفردانيّةِ والانغلاقِ.
ثانيًا: المُساعدةُ على فَهْمِ العالَمِ
لا يُمكنُ للإنسانِ أن يُدركَ الواقعَ ويَفهمَ معانيه ومخاطرَه إلّا مِن خلالِ تفاعلهِ مع الآخرين، فالحديثُ، والتجاربُ المشتركةُ، والنّقاشاتُ تُساهِمُ في صقلِ رؤيتهِ وتحليلِه.
ثالثًا: إشباعُ الحاجاتِ العاطفيّةِ
مِن الطّبيعةِ البشريّةِ أن تَشتاقَ إلى المودّةِ، وتَحتاجَ إلى الحُبِّ والدّعمِ، والعلاقاتُ تَملأُ هذا الفراغَ العاطفيَّ، فتُطفِئُ ظمأَ القلبِ، وتُنعِشُ النّفسَ.
رابعًا: المساعدةُ على مواجهةِ الصِّعابِ
في الشدائدِ تظهرُ القلوبُ الصادقةُ، ويُثبتُ الأصدقاءُ معدنَهم الحقيقيَّ، فالعلاقاتُ الاجتماعيّةُ السليمةُ تُمثّلُ شبكةَ أمانٍ نفسيٍّ ومعنويٍّ، تُهوِّنُ المصائبَ، وتُقوّي على التّحمُّلِ.
سماتُ اللّبنةِ الصّالحةِ في المجتمعِ
لا تقومُ العلاقاتُ الصّحيّةُ إلّا بلبناتٍ صالحةٍ، متينةِ الأساسِ، واضحةِ السِّماتِ، ومن أبرزِها:
- الالتزامُ بالمسؤوليّةِ والعهودِ.
- التواضعُ والتخلّي عن الكِبرِ والاستعلاءِ.
- الصبرُ على الخلافاتِ وتَقلُّبِ المزاجِ البشريِّ.
- الرّحمةُ في الأقوالِ والأفعالِ.
- المبادرةُ الفرديّةُ لفعلِ الخيرِ والتواصُلِ.
- اللّباقةُ: وتشملُ مظاهرَها، وصناعةَ المشاعرِ، وتَكوينَ الألفةِ، وطيبَ الكلامِ، ولُطْفَ الجدالِ، والوضوحَ، وتقنياتِ التّقريبِ.
- تقبُّلُ النّقدِ: كبيانِ العيوبِ بهَديّةٍ، والاستماعِ بقلبٍ منفتحٍ، واستيعابِ الناقدِ، والاستفسارِ منه، وتلخيصِ النّقدِ، وتنفيذِ المُتّفَقِ عليهِ.
وبعدَ هذا العرضِ، تبيّنَ لنا أنّ العلاقاتِ الاجتماعيّةَ ليستْ مجرّدَ كمالياتٍ عابرةٍ، بل هي من أركانِ الحياةِ الإنسانيّةِ السليمةِ، ورافعةٌ في زمنِ الشدائدِ والابتلاءاتِ. إنّها تَبني الذّاتَ، وتُعينُ على الفَهمِ، وتُشبِعُ العاطفةَ، وتَصنعُ التّكافلَ بينَ الأفرادِ. فلا بقاءَ للإنسانِ منعزلًا، ولا قوّةَ لهُ في وحدتِه، بل في صِدقِ علاقاتهِ، وسَلامةِ قلبِه، وحُسنِ تواصلهِ. ولمن أرادَ التأمُّلَ أعمقَ في طبيعةِ هذا العصرِ وتحدّياتِه النفسيّةِ والفكريّةِ، فإنّ كتابَ
عصرِنا والعيشِ في زمانِه الصّعبِ
يُعَدُّ مرجعًا نافِعًا يُضيءُ كثيرًا من الزوايا المهمّة.