حين تسبق البصيرة العاطفة

في زمنٍ تطغى فيه الانفعالات، وتُصاغ المواقف عبر العاطفة قبل التأمل، يصبح التوازن النفسي والشرعي مطلبًا ضروريًا.
فهل يمكن أن نتعلم كيف نقدّم البصيرة على العاطفة؟ وهل علم النفس الحديث يتعارض مع الهدي النبوي في فهم النفس؟
في هذه المقالة، نسلّط الضوء على مفاتيح من علم النفس، ونمزجها بلمحات شرعية هادية، لنفهم أنفسنا من الداخل، ونرقى بتصرفاتنا.

البصيرة والعاطفة في علم النفس

يعرف علماء النفس “العاطفة” بأنها حالة ذهنية وانفعالية تنشأ نتيجة مثير خارجي أو داخلي، وتؤثر في التفكير والسلوك.
أما “البصيرة” فهي القدرة على الإدراك العميق لما وراء الظواهر، وعلى اتخاذ قرارات عقلانية رغم التحديات الشعورية.

🔗 أحد الكتب المهمة في هذا المجال هو كتاب
الذكاء العاطفي
وهو من أفضل المؤلفات التي تسلط الضوء على العلاقة بين “العقل العاطفي” و”العقل المفكر”، وكيف تؤثر الانفعالات على اتخاذ القرار.

وقد أظهرت الدراسات أن القرارات التي يتخذها الإنسان تحت تأثير الانفعال، كالغضب أو الحب المفرط،
تتسم بالاندفاع وتفتقر إلى التوازن.
العاطفة ليست عدوة، لكنها تصبح كذلك حين تتقدم على العقل، فتُغلق نوافذ البصيرة، ويضيع التوازن.

لمسة شرعية: “قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ”

البصيرة في القرآن ليست فقط إدراكًا نظريًا، بل هي فهمٌ عميقٌ مقرونٌ بالإخلاص.
قال تعالى:

﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨]

هنا البصيرة مقدمة على الحماسة، والوعي مقدَّم على العاطفة.
فالداعية، والمربي، والناصح، بل والزوج والوالد والمعلم… كلهم بحاجة إلى البصيرة، لا مجرد الانفعال.

التوازن النفسي والشرعي

من وسائل بناء هذا التوازن:

  • التأمل قبل الحكم: هل ما أشعر به حقيقة أم مجرد رد فعل؟
  • السؤال عن العواقب: هل هذا القرار سيفيدني لاحقًا؟
  • الاسترشاد بالوحي: قراءة السيرة بتأنٍّ تُظهر لنا كيف أن النبي ﷺ كان سيد المتّزنين عاطفيًا وبصيرًا في المواقف الحرجة.
  • التغذية النفسية المتوازنة: عبر مطالعة كتب تهذّب المشاعر وتضبط الاندفاع، مثل كتاب التفاهم في الحياة الزوجية للدكتور مأمون مبيض.

الختام

حين تسبق البصيرةُ العاطفة، نربح القرار، وننجو من الندم، ونقترب من الحكمة.
وحين ندمج بين علم النفس والهدي الشرعي، نمتلك مفاتيح لفهم الذات وتزكيتها.
ليتنا نربي أبناءنا وطلابنا على هذا التوازن، فبعض ما يُزرع اليوم من انفجار عاطفي، هو ثمرة غياب البصيرة.

 

مقالات ذات صلة